صدمتان عظيمتان

 

شخص مثالي منحدر من سلالة ماجد كريم. عظامي عاش في رعاية وكنف والده البر الحنون ما عتم القدر أن يبقي له ذلك الظل الظليل بل أفقده والده في عمره الباكر وفقد بصره في فجر عمره الزاهر. صدمتان عظيمتان صبهما القدر على ذلك الهيكل الغض فشب يتيماً. نعم يتيم من الأب ولكن نفسه الوثابة وهمته القعساء خلقا له جواً سماوياً ملحوباً وأفقاً نيراً حلقا به إلى مركز النبل والمجد الخالد فامتضى كاهل الجواد السيال فنزل للميدان فأخذ قصب السبق يقصد في سيره الوصول إلى الهدف السامي وكانت أمانيه التي تساوره نحو السؤدد والشرف الذي لا يبيد.

عشق المعالي

ففي فجر حياته عشق المعالي فقاده معشوقه لأن يتسنم المقام العالي بأن يجدَّ وراء ذلك فعكف مشمِّراً عن ساعد لا يعرف السأم والملل طالباً العلم الديني بجد وإخلاص منقطعَي النظير ليخلق من نفسه شخصاً مثالياً يحمل قداسة تًحِلُّ معانيها الصادقة وأشعتها المضيئة. فعرفه زملاؤه وأقرانه جديراً بها تيك الخصال المحمودة وبمجموعها خولته لأن يكون ذا منزلة علمية عالية مشتملة على كافة مصاديقها الصحيحة، عمادها التحقيق والتدقيق ورحالها الفقه، وعلى ذلك يدور محور سير حياته العلمية وعليه يعتمد. أضف إلى ذلك تحقيقه في كافة العلوم التي تحصل عليها سواء في علم النحو أو الصرف أو المنطق أو المعاني والبيان أو الفقه أو أصوله...فله يد طولى في كل ذلك فحيث يفيض البحث عند دواعيه يفيض بتحقيق وتدقيق عظيمين ويميط اللثام عن كل أشكال ….وعلى هذا بنى درسه من مبداه إلى منتهاه وهذا الشعور صيره نحريراً ذا ملكة يقتدر بها على تفريع المسائل الفقهية، وكان له مع استعداده هذا فهم وحفظ صيراه جديراً أن يصل إلى غايته السامي

فقده أبنه أحمد

غير أنه من المؤسف المحزن أن حدث أمر عاقه عن سيره لإتمام مهمته وبقيت تلك الشعلة يتكاثف عليها الكبت المرير. فقده تلك الزهرة التي أخمدها القدر في كمامتها –إبنه أحمد- إذ كان الأداة الفعالة في مساعدته في سيره العلمي وكان معواناً له في جميع سيره المادي والعلمي بل كان عينه الباصرة التي يهتدى بها في حياته بكل ما في الكلمة من معنى ينطبق على ذلك فلما فقده فقد ذلك المعوان ووقف ذلك السير عند حدوده، وأسأله تعالى أن يقيض له مساعداً كي يعود إلى السير ليصل إلى بغيته المنشودة.


* الأزهار الأرجية في الآثار الفرجية - ج 5 ص 115-117 - مطبعة النجف 1384هـ