أحمد الشيخ زكي آل سيف

 

اليوم قد فقد "التقى" منكم أيا أهل القطيف.. ألا انشروا علم الحداد.. وجددوا ثوب السواد.. وأرسلوا الأحزان والشكوى على جنح العتاب..ولمن ؟؟

لمولانا المغيب خلف أستار السحاب.. فهو المعزى بالمصاب.. وهنئوا الشيخ السعيد.. بخلده.. في جنة الفردوس.. في دار السلام.

شيخنا أيها الفقيد السعيد.. وبرغم الزمان..

احتملت على ظهرك أمة بأسرها.. وبقيت أنت وحدك تصارع جرحك الأبدي.. وذات أمسية من أمسيات الخريف.. مضيت تشق بمعولك الحديدي طريقاً عبر الثلوج المتراكمة لتعانق يتاماك.. وما فتئت أناملك المرتعشة، تصافح عقداً مزداناً بتسع وتسعين لؤلؤة كتذكار لعشيقتك.. وكنا كعادتنا، منذ أن حل الخريف الأخير.. ننتظرك عند رحيل كل ليلة ونحن على أحر من الجمر.. وربما كنت كعظيم الكوفة حين تخرج تحت أستار الليل.. راكباً فرسك الأبيض المجنح، متجهاً لمنزل عشيقتك ويزيدكِ العقد اللؤلؤي اشتياقاً وتمر عبر دروبك بدروب "كيتوس" على دور المساكين وغيرهم، فلا يزال الجميع فقراء.. وتزجي بهداياك عبر الوافذ الهامسة، بل والصامتة أيضاً.. وتستيقض في الصباح.. لنتباهى بهدايانا.. ولو أننا مسحنا الضباب المتكاثف على زجاج نوافذنا، لرأينا ابتسامتك الدافئة تطل علينا من نفس الوجهة التي أشرقت منها الشمس المختفية خلف السحاب.. ونستيقظ من أحلامنا البيضاء بياض الثلج المتساقط بغزارة.. فلا نجدك.. ويخرج أربعة منا يبحثون عنك علهم يروونك إلى أن ترحل تلك الليلة المشؤومة ولكن بلا جدوة وفجأة رأيناك.. نعم.. كلنا رأيناك...، رأيناك جاثياً بخشوع تماماً كما كنا نراك في محرابك القدسي تصلي لربك، وركبتاك تضجعان.. بخمس وتسعين ثفنة.. وقد ناءت بحملك السنون فحلقت في الملكوت اللانهائي.. ومضيت.. وخلفت جسداً هزيلاً.. أخنة يد الدهر، ومزقته أنيابه المسعورة.. كان أخر أوراق الخريف المتساقطة.. إيذاناً بحلول الشتاء.

سلاماً عليك يا من مضيت.. وكل القلوب اشتياق إليك.. إلى من ستتركنا شيخنا؟!.

إلى من ستترك أيتامك  الضائعين..، وضاع صدى الصوت.. وأنت مضيت.. وكل القلوب اشتياق إليك.. ونحن مضينا نشيع جثمانك القدسي لدنيا الخلود.. وكل القلوب اشتياق إليك.. ولم يبق إلا رفات الحروف: واؤ.. ودالً.. وألفً وعينْ..

وداعاً.. وداعاً.

يخلد شخصك في كل نبض.. وفي كل شريان.. وفي كل عينْ..