بقلم / الشيخ علي الحبيب

4 / 9 / 1420 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تقدست أسماؤه : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي.

  السلام على شيخنا التقي العلامة المحبور الأوّاه الشيخ منصور بن عبد الله ورحمة الله وبركاته أهل الكبرياء والعظمة والحمد لله ربّ العالمين، وبعد

لقد تكلم العلماء وأبلغ الخطباء وتوالت البرقيات المواسية، لكن الجرح عميق وكيف يندمل وهو بقية السلف الصالح وخلاصة الماضين وشيخ الولاء.  قال بعض الفضلاء : الشيخ منصور البيات كنسخة من آية الله الشيخ علي الجشي قدس سره في البكاء على الحسين عليه السلام.

نعم كلنا يتذكر تلك العبرات في ذلك المنديل الأحمر قائلاً : إنا لله وإنا إليه راجعون لا حول ولا قوة إلا بالله بأبي وأمي ونفسي يا أبا عبد الله.  نعم هذا شعاره ودثاره وهذا ظاهر لكل أحد. 

لقد كنت في خراسان عام 1407 هـ ومضيت لأشتري ( فروجاً ) من بائع الدحاج فقال لي : من أين أنت ؟ قلت له : من القطيف.  فقال : به به !! كلمة تعجب بالفارسية، أتعرف الشيخ منصور بيات ؟ قلت : بلى. قال : إذا ذهبت فأبلغه سلامي. قلت له، وهل تعرف الشيخ ؟ قال: كيف لا أعرفه، وهو الشيخ الذي عرّفنا معنى التعزية على الحسين عليه السلام.  وهذا الخطيب الولائي العلامة الشيخ عبد الحسين الواعظ - دام بقاه يضرب لمستمعيه المثل فيه لكي يقتدوا به في البكاء والتباكي.

نعم عرفنا ذلك كله، ولا ينفتل من قراءة الفاتحة حتى يصرخ بأعلا صوته : محمد حسن - يعنى سبطه الأستاذ المكرم ( أبو منصور )، أو يصرخ : مهنا - سبطه الأستاذ مراتٍ عديدةً : أحضروا للناس الشاي والقهوة، أو إذا كان الصيف الشربت والطيب، ولا يرضى أن يقوم جليسه حتى يتطيب وكان طيبه ماء الورد المحمدي.  وأما كرمه وجوده مع تقشفه على نفسه فأشهر من أن يذكر.

نعم ومن توافق الأقدار كون مجلس عزاءه في مثل هذه الأيام من شهر رمضان المبارك حيث لا اطعام ولا ولائم ولا ذبائح لإن الناس في النهار صائمون، وفي الليل يكفيهم الشاي والقهوة الذّين عودهم الفقيد الغالي عليهما في حياته وحتى في تشييع جثمانه الطاهر كان الأكثر صائمين.  فلو كان في موسم الفطر لَصرفت مبالغ على الضيافة، لكن خاتمته كفاتحته وفاتحته كحياته بعيدة عن التعقيد والتكلفات، فلم يشاهد متربعاً على وليمة، بل كان يقول : البطنة تزيل الفطنة وتقسي القلب.

وما عساني أفي بحقه، وهذا نص لعبارة الإمام السيد الحكيم قدس سره في حقه بتاريخ 28 ذي الحجة عام 1376 هـ : وأن الشيخ منصور البيات من أفضل الناس وأوثقِهم وأولاهم بالمعروف.

ونهاية المطاف وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا بالأمس صاحبكم، واليوم عبرة لكم.  وشيخنا الغالي صحبناه بالأمس داعياً إلى القرآن والعترة بسيرته وسريرته، ويكون اليوم عبرةً لنا وألخص هذه العبرة لنفسي فيما يلي :

أ أن المحور الأساسي للعالم هو التقوى والورع.

ب أن الطريقة المفضلة الناجية هي التمسك بسيرة علمائنا الماضين.

ج أن الألفاظ بلا تطبيق ليس لها أي قيمة وليس لها أثر.

د اصرار الشيخ رحمه الله على المحافظة على الشعائر الحسينية التقليدية المألوفة دون الأساليب الباعثة على الخفة والتغنج ولقد كان شعاره رحمه الله المحافظة على عقائد أهل البيت كتابةً ولساناً وفعلاً حتى أنه يرُدُ على بعض من الكتّاب العصريين لما يرى فيهم من انحراف وضلالة فينزعج من أفكارهم السامة.

فالعبرة تفرض علينا إذاً أن لا نعيش التناقض بين سيرة الشيخ وصورة من يدسُ في أفكار الشباب السموم العقائدية، فمن يعتبر يلزمه أن يعيش سيرة الشيخ الوافد على ربه تعالى، في الدفاع عن العقيدة الحقة ويفارق أهل الأهواء، طلاب الشهوة والشهرة والمكانة بدون تمكين.  فلقد حافظ شيخنا على العقيدة حتى في حق طبيبه المعالج له سابقاً فقد وفق لهدايته إلى خط أهل البيت عليهم السلام بالدليل.

وكان - رحمه الله تعالى شعاره الولاء وبالأخص الفادحة الحسينية، والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى شيخنا الفقيد وعلى عباد الله الصالحين.